بالأرقام- مواطنون مهدّدون بسكنهم.. النسبة الأكبر في المناطق المتضررة من انفجار المرفأ
نشر “مرصد السكن” تقريره الدوري لبلاغات أيلول، تشرين الأوّل وتشرين الثاني من العام ٢٠٢١، والذي بلغ عددها ٤٦، تؤثّر على ١٦٣ شخص مهدّدين بسكنهم، من بينهم ٧٥ طفل دون الـ ١٨، ومجموع ٣٦ إمرأة وطفل يسكنون بمفردهم، ٨ مسنّين/ات، وشخصين من مجتمع الميم.
أكثر من ٧٥٪ من البلاغات جاءت من المناطق المتضررة من تفجير ٤ آب، بالإضافة إلى بلاغات متفرقة من أحياء أخرى من بيروت (راس بيروت، مزرعة، وغيرها)، وبيروت الكبرى ومحيطها (فرن الشباك، الدكوانة، الحازمية، انطلياس، البوشرية)، ومن مدن أخرى (صيدا وطرابلس). أغلبية البلاغات كانت للبنانيات\ين، يليها بلاغات من سوريات\ين، ومن ثم بلاغات لسكّان من جنسيات مختلفة (كاميرون، أثيوبيا، سريلانكا، فلسطين).
٨٥٪ من المبلّغين من فئة المستأجرات\ين الذين لديهم عقود شفهية غير مسجّلة ويسكنون في المناطق المتضررة، كما حال جميع المستأجرين القدامى الذين بلّغوا. معظم المبلّغين لم يتجاوز مدّة إشغالهن\م المسكن، ثلاث سنوات، ممّا يشير إلى الانتهاك الفاضح لقانون الإيجارات، وغياب الرقابة التامة التي تحمي المستأجرين ولو مرحلياً. فقانون الإيجارات يفتقد إلى توفير الاستدامة في السكن والحماية المطلوبة، إلاّ أنّه يحدّد أن شروط العقد ملزمة لمدة ثلاث سنوات.
كما تشير البيانات إلى أنّ أكثرية المبلّغين الذين اشتكوا من عبء الإيجارات، تراوحت قيمة إيجاراتهم بين ٤٠٠ ومليون و٣٥٠ ألف، وبعضهم يعاني من تراكم القيمة غير المسددة لأكثر من ٦ أشهر. وإذ تزداد الهوة بين الأجور والإيجارات، يترافق هذا الواقع مع ميول لزيادة قيمة الإيجارات بشكل يتنافى تماماً مع قدرة المستأجرات\ين الحاليات\ين على التسديد، وتقع المأساة عندما يرفض المالكين تجديد العقود بعد انقضاء السنوات الثلاث.
تسكن سارة مثلاً في الكارنتينا وكان إيجارها ٥٢٥ ألف ليرة ومعاشها مليون و٤٠٠ ألف. يطالبها المالك اليوم بإيجار قيمته مليون و٨٠٠ ألف. بدأت سارة بالبحث عن خيارات أخرى ولكنها لم تعثر عن إيجارات تقل عن المليونين ليرة في أي من الأحياء المجاورة.
الجدير بالذكر أن عمليات الترميم من قبل الجمعيات في المناطق المتضررة لها تأثير مباشر في الخلاف على تحديد قيمة الإيجار بين المستأجر والمؤجّر. فقد وثّق المرصد في هذا التقرير ٧ حالات تأثّرت بشكل سلبي جرّاء الترميم، وأصبحت في خطر خسارة مسكنها، وقد تمّ بالفعل إخلاء إحداها.
تسكن مايا مع إبنتها البالغة من العمر ٣ سنوات في شقة صغيرة في برج حمود منذ العام ٢٠١٩ وقد حُدد حينها قيمة الإيجار بـ ٢٥٠$ وفق اتفاق شفهي، وهي كانت بالفعل تدفع ٤٠٠ ألف ليرة خلال الأزمة الاقتصادية وتضخّم العملة واتفقت مع المالك على خفض القيمة إلى ٣٥٠ ألف مع بداية إجراءات التعبئة العامة المتعلّقة بجائحة كورونا. بعد تفجير المرفأ، قامت جمعية بتصليح الأضرار وترميم البيت، ومن بعدها مباشرة تراجع المالك عن الإتفاقية وطالب بزيادة قيمة الإيجار وأبلغ مايا أنه مع بداية السنة سيصبح الإيجار مليوني ليرة. تستطيع مايا أن تؤمن ٥٠٠ ألف شهرياً مقابل إيجار بيتها شرط أن تعثر على حضانة لإبنتها وهو ما لا تؤمّنه الدولة للنساء العاملات ولم تؤمّنه أي من الجمعيات التي تعنى بشؤون الأطفال.
يترافق هذا الواقع المرير الذي يعاني منه سكّان المدن مع إخلاءات معظمها تعسّفية، فمن بين ١٠ إخلاءات تم توثيقها، ٣ منها تعرّضت للإخلاء سابقاً مباشرة بعد تفجير ٤ آب، إحداهما أدّى إلى تشرّد، وآخرى مهددّة بالإخلاء مرة أخرى جرّاء عبء الإيجار المتراكم. أمّا الإخلاءات السبع الحالية، فثلاث منها تمّت خلافاً للقانون ٢٢٠/١٩٤ الذي يقضي بحماية المستأجرين في كافة المباني المتضررة. في معظم الممارسات التعسّفية التي رافقت البلاغات السبع، كان التهديد بالإخلاء بالقوة، ومنها تهديدات متكّررة، انتهاك حرمة المنزل والدخول عنوة إليه، التمييز وقطع الماء والكهرباء. وقد وثّقنا أيضاً الوجهة التي يقصدها من تمّ إخلاءه\ا، فمعظمهن\م يحاولون البقاء في الحيّ ذاته أي بالقرب من علاقاتهن\م الإجتماعية والاقتصادية، والبعض يتفادى التشرّد بالبقاء مؤقتاً مع أقرباء أو وأصدقاء.
يعمل مرصد السكن على توثيق حالات تهديد السكن، وبناء تضامن جماعي ودعم الحق في السكن للجميع دون تمييز، كما يضغط نحو سياسات سكنية دامجة.